إسرائيل ومخيمات الضفة: تفكيك الجغرافيا وتحولات السياسة الأمنية

{title}
أخبار الأردن -

   د. عامر السبايلة

لا يمكن النظر إلى التحرك الإسرائيلي الأخير في الضفة الغربية بمعزل عن السياق الأوسع للتصعيد الجاري في المنطقة. فالضفة الغربية، من وجهة النظر الأمنية الإسرائيلية، تُعد واحدة من الجبهات السبع الرئيسية التي ترى إسرائيل ضرورة تأمينها ومنع تحولها إلى تهديد حقيقي لأمنها القومي.

بعد أن تمكنت إسرائيل من إحكام سيطرتها على الجانب الحدودي لقطاع غزة ومحور فيلادلفيا، تحول تركيزها اليوم إلى جبهتين أساسيتين. الجبهة الأولى هي جنوب لبنان، حيث تسعى إسرائيل إلى تحديد حجم وشكل الصراع مع حزب الله من خلال توجيه ضربات كبيرة إلى قياداته ومواقعه اللوجستية. أما الجبهة الثانية فهي الضفة الغربية، التي شهدت خلال الشهور العشرة الماضية عمليات عسكرية واستخباراتية مكثفة بهدف تفكيك شبكات المقاومة وتجفيف منابع أي خطر يمكن أن يحول هذه المنطقة إلى جبهة نشطة تهدد أمن إسرائيل.

التحركات الإسرائيلية الحالية يمكن قراءتها ضمن إطار استراتيجية «الجغرافية الأمنية»، وهي الاستراتيجية التي تهدف من خلالها إسرائيل إلى القضاء على أي تهديد محتمل من الجبهات الحدودية. فمنذ هجوم 7 أكتوبر، أصبحت إسرائيل تدرك أنها لا تستطيع التعايش مع احتمالية تكرار مثل هذا الهجوم. الحرب على غزة، التي يعتبرها الكثيرون فرضت على إسرائيل بعد ذلك الهجوم، أدت إلى تغيير في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، حيث أصبحت المواجهة على جبهات متعددة واقعًا لا خيارًا بالنسبة للمؤسسة الأمنية. وهكذا، أصبح شعار المواجهة في الضفة الغربية هو منع أي تصعيد كبير ومنع تكرار سيناريو مشابه لهجمات حماس.

يتزامن ذلك مع ادراك العقلية الأمنية الاسرائيلية أن مشروع إيران الذي يرتكز على «وحدة الساحات» يشكل تهديدًا استراتيجيًا لها، ولذلك بدأ العمل التدريجي والمتسارع على «تفريغ وتفكيك هذه الساحات».

ورغم أن الأولوية الحالية هي جبهة غزة، فإن الضفة الغربية لا تقل أهمية من الناحية الأمنية. منذ فترة طويلة، تبنت إسرائيل رواية مفادها أن مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية أصبحت مراكز نفوذ إيرانية وقواعد لوجستية لحزب الله، وأن هذه المخيمات جاهزة للتفجير في أي سيناريو يستهدف الداخل الإسرائيلي.هذا التصور يبرر في نظر القيادة الإسرائيلية الهجمات الاستباقية التي تستهدف هذه المخيمات والسعي إلى تدمير بنيتها التحتية.

في الأسابيع الأخيرة، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي بضرورة تدمير وتفكيك مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، دون الالتفات إلى مصير سكان هذه المخيمات. وهذا يشير إلى أن الأولوية الأمنية الإسرائيلية لا تأخذ بعين الاعتبار التداعيات الإنسانية أو السياسية التي قد تترتب على هذه العمليات. النزوح المحتمل لسكان هذه المخيمات يُعد أحد أخطر التداعيات التي لا يرغب أحد في مناقشتها علنًا، لكن التعامل معها قريباً قد يكون على أساس أنها من «استحقاقات الأمر الواقع».

تحركات إسرائيل وفقًا لاستراتيجية «الجغرافية الأمنية» وهاجس تكرار 7 أكتوبر، أعطت بلا شك زخماً لأصحاب الأجندات السياسية المتطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية، الذين يسعون إلى تفريغ الضفة الغربية من سكانها وتفكيك المخيمات كجزء أساسي من أهدافهم السياسية. في ظل هذا الوضع، وعدم قدرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ضبط الوزراء المتطرفين أو السيطرة على تصريحاتهم وتحركاتهم، قد يتسع نطاق هذه السياسات ويتكيف الجميع معها، خاصة مع توفر الغطاء الأمني بصورة غير مسبوقة.

هذا الوضع المعقد والمتشابك سيؤدي بلا شك إلى انعكاسات أمنية داخلية خطيرة على المشهد في الضفة الغربية وعلى إسرائيل نفسها. وعلى الرغم من أن هذه الانعكاسات قد لا ترقى إلى مستوى اندلاع انتفاضة جديدة، إلا أنها قد تتجلى في شكل موجات جديدة من العنف تشمل صدامات مسلحة أو هجمات تستهدف البنية التحتية الإسرائيلية.

في ظل تراجع احتمالات اندلاع مواجهة شاملة مع إيران وتحديد حزب الله لحجم وسقف ردوده، تركز إسرائيل اليوم على السيطرة على الحدود مع غزة واستهداف البنية التحتية لكافة الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية. في الوقت نفسه، تظل الأولوية الأمنية الإسرائيلية موجهة نحو تأمين الحدود الجغرافية، مع الحفاظ على حالة تأهب قصوى في مواجهة إيران واستغلال أي فرصة لضرب مصالحها في المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا أو اليمن أو العراق، وحتى داخل إيران نفسها.

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير